فصل: القسم الثاني‏:‏ ما كان مشروعًا ثم نسخ بالكلية كالسبت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


137- وكره أي الإمام أحمد تسمية الشهور بالعجمية والأشخاص بالأسماء الفارسية وعد الفقهاء من أصحابه وغيرهم من اللباس المكروه ما خالف زي العرب وأشبه زي الأعاجم وعادتهم‏.‏

138- وإنما الغرض بيان ما اتفق عليه العلماء من كراهة التشبه بغير أهل الإسلام، وقد يتردد العلماء في بعض فروع هذه القاعدة لتعارض الأدلة فيها أو لعدم اعتقاد بعضهم اندراجه في هذه القاعدة‏.‏

139- ومثل هذا هل يجعل قولًا له أي للإمام أحمد إذا سئل عن مسألة فحكى فيها جواب غيره ولم يردفه بموافقة ولا مخالفة‏؟‏ في ذلك لأصحابه وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ نعم لأنه لولا موافقته له لكان قد أجابه بغيره، لأنه إنما سأله عن قوله ولم يسأله أن يحكي له مذاهب الناس‏.‏

الثاني‏:‏ لا لأنه إنما حكاه فقط، ومجرد الحكاية لا يدل على الموافقة‏.‏

142- وقريب من هذا مخالفة من لم يكمل دينه من الأعراب ونحوهم كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن مغفل أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، قال‏:‏ والأعراب تقول ‏:‏ هي العشاء ، ولمسلم عن ابن عمر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء فإنها تعتم بحلاب الإبل واعلم أن بين التشبه بالكفار والشياطين وبين التشبه بالأعراب والأعاجم فرقًا يجب اعتباره، وذلك أن نفس الكفر والشيطنة مذموم في حكم الله ورسوله وعباده المؤمنين ونفس الأعرابية والأعجمية ليست مذمومة في نفسها عند الله ورسوله وعباده المؤمنين بل الأعراب منقسمون إلى أهل جفاء وأهل إيمان وبر وكذلك العجم وهم من سوى العرب ينقسمون إلى مؤمن وكافر وبر وفاجر‏.‏

145- ذكر الأحاديث الواردة في فضل بعض الفرس وما يشهد له من الواقع، وأن في بقية العجم من الحبشة والترك وغيرهم من هوسابق في العلم والدين ثم قال‏:‏ وإنما وجه النهي عن مشابهة الأعراب والأعاجم ما ذكرناه من الفضل فيهم وعدم العبرة بالنسب والمكان مبني على أصل وذلك أن الله سبحانه جعل سُكنى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين ورقة القلوب، مالا يقتضيه سُكنى البادية، كما أن البادية توجب من صلابة البدن والخلق ومتانة الكلام ما لا يكون في القرى ولذلك جعل الله الرسل من أهل القرى‏.‏

147- والتحقيق أن سكان البوادي لهم حكم الأعراب سواء دخلوا في لفظ الأعراب أم لم يدخلوا، فهذا الأصل يوجب أن يكون جنس الحاضرة أفضل من جنس البادية، وإن كان بعض أعيان البادية أفضل من أكثر الحاضرة مثلًا، ويقتضي أن ما انفرد به أهل البادية عن جميع جنس الحاضرة أعني في زمن السلف من الصحابة والتابعين فهو ناقص عن فضل الحاضرة أو مكروه‏.‏

148- والذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم وأن قريشًا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل بني هاشم ‏.‏‏.‏ وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل، وبهذا ثبت لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أفضل نفسًا ونسبًا وإلا لزم الدور‏.‏

149- وذهبت فرقة من الناس إلى أنه لا فضل لجنس العرب على جنس العجم وهؤلاء يسمون الشعوبية لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما قيل ‏:‏ القبائل للعرب والشعوب للعجم، ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب، والغالب أن هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق، إما في الاعتقاد وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس مع شبهات اقتضت ذلك‏.‏

152- لما ذكر الأحاديث الواردة في فضل العرب قال‏:‏ وقد بين ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن هذا التفضيل يوجب المحبة لبني هاشم ثم لقريش ثم للعرب‏.‏

154- وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق، ومعلوم أن ولد إسحاق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم لما فيهم من النبوة والكتاب‏.‏

155- ذكر حديثين‏:‏ أحدهما‏:‏ ‏(‏فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم‏)‏ الثاني‏:‏ ‏(‏يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك قلت‏:‏ يا رسول الله كيف أبغضك وبك هداني الله قال‏:‏ تبغض العرب فتبغضني‏)‏‏.‏‏.‏ ويشبه أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاطب بهذا سلمان وهو سابق الفرس ذو الفضائل المأثورة تنبيهًا لغيره من سائر الفرس لما أعلمه الله تعالى من أن الشيطان قد يدعو النفوس إلى شيء من هذا‏.‏

156- وهذا دليل على أن بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب للكفر‏.‏

157- وكان أحمد - رحمه الله - على ما تدل عليه طريقته في المسند إذا رأى أن الحديث موضوع أو قريب من الموضوع لم يحدث به ولذلك ضرب على أحاديث رجال فلم يحدث بها في المسند لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين‏)‏‏.‏

158-‏(‏أحبوا العرب لثلاث ‏:‏ لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي‏(‏قال السلفي ‏:‏ حديث حسن فما أدري أراد حسن إسناده على

طريقة المحدثين أو حسن متنه على الاصطلاح العام وأبو الفرج ابن الجوزي ذكر هذا الحديث في الموضوعات‏.‏

160- وسبب هذا الفضل والله أعلم ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع أو العمل الصالح، والعلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الحفظ والفهم وله تمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة ‏(‏ثم ذكر كلامًا حاصله أن العرب في ذلك أقوى من غيرهم‏)‏ ثم قال‏:‏ وأما العمل فإن مبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم‏.‏‏.‏ لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عن فعله ليس عندهم علم منزل من السماء ولا شريعة موروثة عن نبي ولا هم مشتغلون أيضًا ببعض العلوم العقلية المحضة كالطب والحساب ونحوهما، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب وما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، وما احتاجوه في دنياهم من الأنواء والنجوم أو الحروب، فلما بعث الله محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهدى الذي ما جعل الله في الأرض ولا يجعل أعظم قدرًا منه ‏.‏‏.‏ فأخذوا هذا الهدى العظيم بتلك الفطرة الجيدة فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم والكمال الذي أنزله الله إليهم‏.‏

162- فصار السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وصار أفضل الناس بعدهم من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة من العرب والعجم، قلت‏:‏ ظاهره أن التابعين لهم بإحسان أفضل حتى ممن صحبوا أنبياءهم من الأمم، وفي النفس من ذلك شيء فإن الظاهر أن أصحاب الأنبياء الذين أدركوهم أفضل ممن بعد الصحابة في هذه الأمة، وإن كان التابعون من هذه الأمة من حيث كمال الدين أفضل ممن صحبوا الأنبياء السابقين، فإن أصحاب الأنبياء قاموا بما كلفوا به من الكمال في أديانهم مع صحبة أنبيائهم‏.‏ والله أعلم‏.‏

فإذا نهت الشريعة عن مشابهة الأعاجم دخل في ذلك ما كان عليه الأعاجم الكفار قديمًا وحديثًا، وما كان عليه الأعاجم المسلمون مما لم يكن عليه السابقون الأولون، كما يدخل في مسمى الجاهلية العربية ما كان عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام وما عاد إليه كثير من العرب من الجاهلية التي كانوا عليها‏.‏

وأيضًا فإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغًا عنه الكتاب والحكمة باللسان العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان وصارت معرفته من الدين واعتياد التكلم به أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله وأقرب إلى إقامة شعائر الدين وأقرب إلى مشابهتهم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في جميع أمورهم‏.‏

163- العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله ويكرهه، ولذا جاءت الشريعة بلزوم عادات السابقين في أقوالهم وأعمالهم وكراهة الخروج عنها إلى غيرها من غير حاجة، فحاصله أن النهي عن التشبه بهم إنما كان لما يفضي إليه من فوت الفضائل التي جعلها الله للسابقين الأولين أو حصول النقائص التي كانت في غيرهم‏.‏

164- وإنما يتم الكلام بأمرين‏:‏ أحدهما ‏:‏ أن الذي يجب على المسلم إذا نظر في الفضائل أو تكلم فيها أن يسلك سبيل العاقل الذي غرضه الخير ويتحراه جهده وليس غرضه أن يفتخر على أحد ولا الغمط من أحد‏.‏

165- الثاني‏:‏ أن اسم العرب والعجم قد صار فيه اشتباه واسم العرب في الأصل كان اسمًا لقوم جمعوا ثلاثة أوصاف‏:‏

1‏.‏ 1‏.‏ أن لسانهم كان باللغة العربية‏.‏

2‏.‏ 2‏.‏ أنهم كانوا من أولاد العرب‏.‏

3‏.‏ 3‏.‏ أن مساكنهم كانت أرض العرب وهي جزيرة العرب التي هي من بحر القلزم إلى بحر البصرة ومن أقصى حجر باليمن إلى أوائل الشام بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم ولا تدخل فيها الشام‏.‏

169- فإن قيل‏:‏ما ذكرتموه من الأدلة ‏(‏يعني القاضية بالنهي عن مشابهتهم‏)‏ معارض بما يدل على خلافه ، وذلك أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فبهداهم اقتده‏}‏، وبحديث عاشوراء الذي كان يصومه اليهود فصامه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وبحديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء متفق عليه‏.‏

172- قيل‏:‏ أما المعارضة بالأول فهو مبني على مقدمتين كلتاهما منفية في مسألة التشبه بهم‏:‏ إحداهما‏:‏ أن يثبت بنقل موثوق به أن ذلك شرع لهم فأما مجرد الرجوع إلى قولهم أو ما في كتبهم فلا يجوز بالاتفاق‏.‏

الثانية ‏:‏ أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك فإن كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغني به‏.‏

173- وأما صيام عاشوراء فقد ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصومه قبل استخبار اليهود وكانت قريش تصومه‏.‏

174- وأما الجواب عن كونه يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فمن وجوه‏:‏

1- 1- أحدها أنه منسوخ ومما يوضح ذلك أن كل ما جاء من التشبه بهم إنما كان في صدر الهجرة ثم نسخ، وسببه أن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع لهم المخالفة، فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك، ومثل ذلك اليوم لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورًا بالمخالفة لهم في الهدى الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب أو يجب للرجل أن يشاركهم أحيانًا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة‏.‏

177-2- الوجه الثاني‏:‏ لو فرضنا أن ذلك لم ينسخ فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الذي كان له أن يوافقهم لأنه يعلم حقهم من باطلهم بما يعلمه الله تعالى أما نحن فلا يجوز لنا أن نأخذ شيئًا من الدين عنهم‏.‏

3- الوجه الثالث‏:‏ أن نقول بموجبه‏:‏ كان يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم إنه أمر بمخالفتهم وأمرنا نحن أن نتبع هديه‏.‏

177- والكلام إنما هو في أننا منهيون عن التشبه بهم فيما لم يكن سلف الأمة عليه أما ما كان سلف الأمة عليه فلا ريب فيه سواء فعلوه أو تركوه فإنا لا نترك ما أمر الله به من أجل أن الكفار تفعله، قلت‏:‏ ومن ذلك ما يبرر به كثير من حالقي لحاهم فعلهم بأن الكفار أو كثيرًا منهم الآن يعفون لحاهم فإذا أعفيناها كنا متشبهين بهم هكذا يقولون وجوابهم أن إعفاء اللحية مما أمر الله ورسوله به فلا نتركه من أجل أن الكفار يفعلونه‏.‏

177- وقد تقدم بيان أن ما أمرنا الله به ورسوله من مخالفتهم مشروع سواء كان الفعل مما قصد فاعله التشبه بهم أم لم يقصد، وكذلك ما نهي عنه من مشابهتهم يعم ما إذا قصدت مشابهتهم أم لم تقصد فإن عامة هذه الأعمال لم يكن المسلمون يقصدون المشابهة فيها، وفيها ما لا يتصور قصد المشابهة فيه كبياض الشعر وطول الشارب‏.‏

178- أعمالهم يعني الكفار ثلاثة أقسام‏:‏ قسم مشروع في ديننا مع كونه مشروعًا لهم أو لا نعلم أنه مشروع لكنهم يفعلونه الآن‏.‏‏.‏ وقسم كان مشروعًا ثم نسخه شرع القرآن‏.‏ وقسم لم يكن مشروعًا بحال لكنهم أحدثوه‏.‏ وهذه الأقسام إما تكون في العبادات المحضة أو في العادات المحضة وهي الآداب أو تجمع العبادات والعادات، فأما القسم الأول وهو ما كان مشروعًا في الشريعتين أو ما كان مشروعًا لنا وهم يفعلونه‏:‏ فمثل صيام عاشوراء ودفن الموتى والصلاة في النعلين فالمخالفة في هذا القسم تكون في صفة ذلك العمل‏.‏

القسم الثاني‏:‏ ما كان مشروعًا ثم نسخ بالكلية كالسبت

ولا يخفى النهي عن موافقتهم في هذا سواء كان واجبًا عليهم فيكون عبادة، أو محرمًا عليهم فيتعلق بالعادات، فليس للرجل أن يمتنع من أكل الشحوم وكل ذي ظفر على وجه التدين بذلك أو مركبًا من العبادات والعادات كالأعياد فإن العيد المشروع يجمع عبادة وعادة، فإنه يشرع فيها وجوبًا أو استحبابًا من العبادات ما لا يشرع في غيرها، ويباح فيها أو يستحب أو يجب من العادات التي للنفوس فيها حظ مالا يكون في غيرها، ولهذا وجب فطر يوم العيدين‏.‏ فموافقتهم في هذا القسم المنسوخ من العبادات أو العادات أو كليهما أقبح من موافقتهم فيما هو مشروع في الأصل، ولهذا كانت موافقتهم في هذا محرمة وفي الأول قد لا تكون إلا مكروهة‏.‏

179- القسم الثالث‏:‏ ما لم يكن مشروعًا ولكن أحدثوه من العبادات أو العادات أو كليهما فهو أقبح وأقبح‏.‏

182- وبإسناده يعني أبا الشيخ الأصفهاني عن عطاء بن يسار قال‏:‏ قال عمر ‏:‏ ‏[‏إياكم ورطانة الأعاجم وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم‏]‏‏.‏

189- فإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهيًا عنه فكيف الموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم‏.‏

العيد‏:‏ اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك‏.‏

192- وهذا يوجب العلم اليقيني بأن إمام المتقين ـ صلى الله عليه وسلم ـ منع أمته منعًا قويًا من أعياد الكفار وسعى في دروسها وطموسها بكل سبيل‏.‏

202- قال حرب‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ فإن للفرس أيامًا وشهورًا يسمونها بأسماء لا تعرف فكره ذلك أشد الكراهة، وروي عن مجاهد أنه كره أن يقال‏:‏ آذر ماه وذى ماه‏.‏ قال‏:‏ وسألت إسحاق قلت‏:‏ تاريخ الكتاب يكتب بالشهور الفارسية مثل آذار ماه وذي ماه قال‏:‏ إن لم يكن في تلك الأسامي اسم يكره فأرجو‏.‏

وكراهة أحمد لهذه الأسماء لها وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه إذا لم يعرف معنى الاسم جاز أن يكون معنى محرمًا فلا ينطق المسلم بما لا يعرف معناه‏.‏ والوجه الثاني‏:‏ كراهة أن يتعود الرجل النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون‏.‏

204- بعد أن ذكر التفصيل في حكم ترجمة الأذكار في الصلاة وغيرها قال‏:‏ وأما الخطاب بها أي بغير العربية من غير حاجة في أسماء الناس والشهور كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب، وأما مع العلم به فكلام أحمد بين في كراهته أيضًا فإنه كره آذار ماه ومعناه ليس محرمًا‏.‏

206- وفي الجملة فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب وأكثر ما يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجميًا أو قد اعتاد العجمية يريدون تقريب الإفهام عليه‏.‏ ‏.‏ وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه‏.‏

210- الأنبياء ما وقتوا العبادات إلا بالهلال وإن اليهود والنصارى حرفوا الشرائع‏.‏

211- وإنما عددت أشياء من منكرات دينهم لما رأيت طوائف من المسلمين قد ابتلوا ببعضها وجهل كثير منهم أنها من دين النصارى الملعون هو وأهله‏.‏

212- كل ما عظم بالباطل من زمان أو مكان أو حجر أو شجر أوبنية يجب قصد إهانته كما تهان الأوثان المعبودة وإن كانت لولا عبادتها لكانت كسائر الأحجار‏.‏

215- وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة إلى هذه القبائح كانت محرمة، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله تعالى من التبرك بالصليب والتعميد في المعمودية أو قول القائل‏:‏ المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة اليهودية والنصرانية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله، وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله تعالى والتدين بذلك أو غير ذلك مما هو كفر بالله ورسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك‏.‏

216- المشابهة يعني مشابهة الكفار تفضي إلى كفر أو معصية غالبًا أو تفضي إليهما في الجملة، وليس في هذا المفضي مصلحة وما أفضى إلى ذلك كان محرمًا‏.‏

217- فالعبد إذا أخذ منه غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ويتم به دينه ويكمل إسلامه، وذكر لذلك أمثلة ثم قال‏:‏ ولهذا جاء في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها‏)‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏ ذكر وجوه تحريم مشابهة الكفار من حيث النظر والاعتبار ‏(‏ص 207-222‏)‏ ونحن نذكرها مجملة‏:‏

207- الوجه الأول‏:‏ أن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج التي قال الله تعالى فيها‏:‏ ‏{‏لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا‏}‏ فلا فرق بين مشاركتهم في العيد ومشاركتهم في سائر المناهج‏.‏

208- الثاني‏:‏ أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله، لأنه إما محدث مبتدع وإما منسوخ فأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس‏.‏

209- الوجه الثالث‏:‏ أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة بل عيدًا فيضاهى بعيد الله بل يزيد عليه‏.‏

216- الوجه الرابع‏:‏ أن الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم وقد شرع الله على لسان خاتم النبيين ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه‏.‏‏.‏ فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره‏.‏ ولهذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن حتى ربما يكرهه‏.‏

219- الوجه الخامس‏:‏ أن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل ‏.‏‏.‏ وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء‏.‏

219- الوجه السادس‏:‏ أن ما يفعلونه في أعيادهم منه ما هو كفر ومنه ما هو حرام ومنه ما هو مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة، والتمييز بين هذا وهذا قد يخفى على كثير من العامة‏.‏

219- الوجه السابع‏:‏ أن الله جبل بني آدم بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط‏.‏‏.‏ فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المساوقة والتدريج الخفي‏.‏

221- الوجه الثامن‏:‏ أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان‏.‏

223- ليس النهي عن خصوص أعيادهم بل كل ما يعظمون من الزمان والمكان الذي لا أصل له في الإسلام داخل في ذلك‏.‏

227- وكما لا يتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل يُنهى عن ذلك التشبه‏.‏‏.‏ ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته خصوصًا إن كانت الهدية مما يستعان به على التشبه بهم في مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد ‏.‏‏.‏ وكذلك لا يُهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم‏.‏

ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلم على مشابهتهم في العيد من الطعام وغيره لأن في ذلك إعانة على المنكرات‏.‏

فأما مبايعتهم ما يستعينون على عيدهم أو شهود أعيادهم للشراء فيها فكلام أحمد في الشراء منهم من غير دخول كنائسهم يدل على الجواز، أما في البيع فمحتمل هذا خلاصة ما نقله الشيخ عنه ثم قال‏:‏ وقد كان المسلمون يشهدون أسواقًا في الجاهلية وشهد بعضها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏‏.‏ ثم إن الرجل لو سافر إلى دار الحرب ليشتري منها جاز كما دل عليه حديث تجارة أبي بكر رضي الله عنه في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام ‏.‏‏.‏ وأما حمل التجارة إلى أرض الحرب ففيه روايتان منصوصتان وأكثر نصوصه تقتضي المنع لكن هل هو منع تنزيه أو تحريم‏.‏

232- وعن أبي الحارث أن أبا عبد الله سئل عن الرجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه وزاد في ثمن الدار ترى له أن يبيع داره منه وهو نصراني أو يهودي أو مجوسي قال‏:‏ لا أرى له ذلك يبيع داره من كافر يكفر فيها بالله يبيعها من مسلم أحب إلي فهذا نص على المنع‏.‏

236- لما ذكر اختلاف الأصحاب في الإجارة للذمي ووجه الفرق بينها وبين البيع عند من فرق بينهما وهل منع البيع والإجارة من باب التحريم أو الكراهة قال‏:‏ وهذا الخلاف عندنا والتردد في الكراهة هو فيما إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة فأما إن أجره إياها لبيع الخمر واتخاذها كنيسة أو بيعة لم يجز قولًا واحدًا‏.‏

237- معاصي الذمي قسمان‏:‏ أحدهما‏:‏ ما اقتضى عقد الذمة إقراره عليها الثاني‏:‏ ما اقتضى منعه منها أو من إظهارها وهذا لا ريب أنه لا يجوز على أصلنا أن يؤاجر أو يبايع الذمي عليه إذا غلب على الظن أنه يفعل ذلك‏.‏ وأما الأول فعلى ما قاله أبو موسى يكره ثم علله وقال‏:‏ وعلى ما قاله القاضي لا يجوز ثم ذكر علته‏.‏

244- ذكر في هذه الصفحة وما بعدها كلامًا يفيد أن من استؤجر لحمل خمر ونحوها أنه يحرم عليه ذلك ويقضى له بالأجرة ثم تحرم عليه الأجرة لحق الله تعالى لا لحق المستأجر، فالأجرة صحيحة بالنسبة للمستأجر بمعنى أنه يجب عليه الأجرة، فاسدة بالنسبة إلى الأجير بمعنى أنه يحرم عليه الانتفاع بالأجرة قال‏:‏ ولهذا في الشريعة نظائر‏.‏

247- البغي والمغني والنائحة ونحوهم إذا تابوا هل يتصدقون بما أعطوا من أجرة أو يردونها على من أعطاهم على قولين‏:‏ أصحهما يتصدقون بها وتصرف في مصالح المسلمين‏.‏